ثروة ليبيا النفطية لا تزال سيفًا ذو حدين. تمتلك البلاد واحدة من أغنى الاقتصادات من حيث الموارد في شمال أفريقيا، مع إمكانية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتجارة الإقليمية. ومع ذلك، فإن الانقسامات السياسية العميقة بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والإدارة الشرقية بقيادة الجنرال خليفة حفتر تعوق التقدم. وقد تذبذب إنتاج النفط، وهو مصدر رئيسي للإيرادات، بشكل كبير، حيث انخفض من مليون برميل يومياً إلى 400,000 برميل بسبب الخلافات السياسية. هذا الاعتماد على سلعة تصدير واحدة يبرز الحاجة إلى التنويع لحماية الاقتصاد من التقلبات الناجمة عن الاضطرابات الداخلية والخارجية.
كان تعيين ناجي محمد عيسى بلقاسم كحاكم مؤقت للبنك المركزي تطوراً هاماً في المشهد المالي الليبي. هذا الاتفاق خفف مؤقتًا من التوترات بين الفصائل التي استغلت المؤسسات المالية تاريخيًا لتحقيق النفوذ السياسي. بينما تشير هذه الخطوة إلى إمكانية التعاون، فإن الهيكل الحكومي المجزأ في ليبيا يشكل تحديًا كبيرًا للإصلاحات الاقتصادية المستدامة.
علاوة على ذلك، فإن انهيار السد في درنة عام 2023 أبرز العواقب الناجمة عن إهمال البنية التحتية والفساد. لم يتسبب هذا الكارثة في خسارة آلاف الأرواح فحسب، بل كشف أيضًا عن إخفاقات نظامية في الحكم. تظل جهود إعادة البناء بطيئة، مما يبرز الضرورة للاستثمار في البنية التحتية والشفافية لتجنب المزيد من الأزمات الاقتصادية والإنسانية.
سوريا: إعادة الإعمار الحذرة في أمة ممزقة
لا يزال مستقبل سوريا الاقتصادي مهددًا بعد أكثر من عقد من الصراع. إسقاط نظام الأسد خلق فراغًا في السلطة، حيث تكافح الجماعات المسلحة المعارضة لتأسيس حكم متماسك. بالنسبة للشركاء التجاريين والمستثمرين الدوليين، يزيد هذا عدم الاستقرار من المخاطر المرتبطة بالمشاركة في جهود إعادة الإعمار.
تلعب الجالية السورية، وخاصة المهنيين المهرة مثل الأطباء الذين استقروا في دول مثل ألمانيا، دورًا محوريًا في كل من الاقتصاد السوري واقتصادات الدول المضيفة. بينما يعبر بعض المهنيين عن الرغبة في المساهمة في تعافي سوريا، فإن المشهد السياسي والاقتصادي غير المستقر يجعل العودة الكبيرة النطاق غير مرجحة في الوقت القريب. يمكن لأطر التعاون بين سوريا والدول التي تستضيف عمالتها الماهرة أن تلبي الاحتياجات المشتركة، مما يعزز التجارة والتبادل بينما تثبت قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية.
التجارة الإقليمية والشراكات الاستراتيجية
يستمر الشرق الأوسط وغرب آسيا في اجتذاب اهتمام دولي كبير، خاصة من القوى العالمية مثل روسيا. لقد جذبت ليبيا بموقعها الاستراتيجي وثروتها من الموارد اهتمام موسكو، التي تسعى إلى مواجهة نفوذ الناتو وتوسيع وجودها في البحر الأبيض المتوسط. يبرز وجود كيانات مثل مجموعة فاغنر رهانات جيوسياسية مرتبطة باستخراج الموارد والنفوذ العسكري.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الفرص التجارية الإقليمية غير مستغلة بشكل كامل. يجب على الدول ذات الاقتصادات الموجهة للتصدير التركيز على تحديث البنية التحتية، والإصلاحات الحكومية، والتنويع لإطلاق إمكاناتها الكاملة. يمكن أن تدفع الشراكات عبر الحدود في قطاعات الطاقة والبناء والتصنيع إلى الانتعاش الاقتصادي والتكامل، مما يفيد ليس الدول الفردية فحسب، بل المنطقة ككل.
آفاق الاستقرار والنمو
يبقى الطريق إلى الاستقرار في كل من ليبيا وسوريا في معالجة الأسباب الجذرية للتجزئة السياسية وتعزيز الحكم الشامل. بالنسبة لليبيا، تعزيز المسؤولية المؤسسية والاستفادة من ثروتها النفطية للتنمية الاقتصادية الأوسع ضروري. أما في سوريا، فإن إنشاء إطار لإعادة الإعمار يعطي الأولوية لإصلاحات الحكم والاستثمار في البنية التحتية هو أمر أساسي للتعافي الطويل المدى.
يمكن للتعاون الإقليمي، الذي يسهل من قبل الجهات الفاعلة الدولية، أن يلعب أيضًا دورًا تحوّليًا. يمكن للمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي، وتقليل الحواجز التجارية، وتشجيع الاستثمار في الصناعات الحيوية مثل الطاقة والبناء أن تعزز من مرونة الاقتصاد الإقليمي.
الخاتمة
في الختام، تقف منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا عند مفترق طرق حيث يكون التوفيق السياسي، والتنوع الاقتصادي، والتعاون الدولي أمورًا حتمية. الإجراءات التي تُتخذ الآن ستحدد ما إذا كانت هذه الدول تستطيع تحويل تحدياتها إلى فرص للتنمية المستدامة والنمو.